السياسة المالية عند أبي ذر الغفاري

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية التجارة جامعة جنوب الوادي - قسم الاقتصاد - وکيل الکلية للدراسات العليا

المستخلص

هناک مجموعة من النتائج التي تم التوصل إليها واستخلاصها من خلال استقراء الفکر الاقتصادي والسياسة المالية للصحابي أبي ذر الغفاري. إن من بين هذه النتائج ما يلي:
1-         لقد اشتملت الأفکار والآراء الخاصة بذلک الصحابي على الکثير من المبادئ الاقتصادية، والقواعد المالية التي يمکن أن تغطي مجالات اقتصادية متعددة ومتباينة، إلا أن السياسة الاقتصادية الخاصة بالجانب المالي وبصفة أخص في الإنفاق ومحاربة الفقر ومحاربة الاکتناز وتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي بين طبقات المجتمع، والتقريب بين الأغنياء والفقراء، قد أخذت منه الکثير، وقام بالترکيز عليها أکثر من غيرها.
2-         لقد تناول ذاک الصحابي موضوعات اقتصادية هامة، ونواحي مالية لها ارتباط قوي بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للدولة، والتي منها منع الاکتناز، التشجيع على الإنفاق، منع طغيان طبقة الأغنياء، الوقوف في وجه جور وظلم الولاة، محاربة الفساد الاقتصادي في المجتمع، عدم تضييع حق الفقراء، منع الاحتکار، تشجيع الإيثار، منع الأثرة، منع سوء استغلال الموارد المالية، عدم إهدار الحقوق الاقتصادية للمجتمع، وأخيراً الوقوف أمام مطامع بعض الطبقات.
3-         لقد رأي أبو ذر، بعد توسع الفتوحات، وکثرة الأموال، الاتجاه بکثافة نحو التوسع في الاکتناز من جانب الأفراد، والإکثار من بناء القصور، إن ذلک يمکن أن ينعکس سلباً على الوضع الاقتصادي، والتماسک الاجتماعي على مستوى فئات المجتمع، وربما يؤدي لظهور أوضاع طبقية، فقام يدعو ليمنع الغني المفرط الذي لا يراعي حقوق الله والعباد، وفي نفس الوقت يحول دون انتشار الفقر المدقع.
4-         لقد کان أبو ذر ينادي بضرورة تحقيق المساواة الاقتصادية، وضمان الحد الأدنى من العدالة في توزيع الدخول بين طبقات المجتمع، مطبقاً ذلک أولاً على نفسه، ثم داعياً غيره له حتى يتحقق التوازن الاقتصادي بين فئات المجتمع الواحد وعلى مستوى الأسرة الواحدة.
5-         لقد کان أبو ذر أيضا ينادي بضرورة وضع حد أقصى لمعيشة الأفراد، لقد کان من مظاهر ذلک المبدأ الذي کان ينادي به، هو محاربة الإسراف والتطاول في البنيان. إن ذلک المبدأ توصلت إليه حديثاً النظم الاقتصادية المعاصرة التي تحاول محاصرة الفقر، وتحقيق التوازن الاقتصادي، والتقريب بين فئات المجتمع من خلال مناداتها بضرورة فرض حدود قصوى، وحدود دنيا لمعيشة الأفراد ومن ثم تقرير حدود قصوى ودنيا في الأجور والمرتبات. وهذا ما فکرت فيه الإدارة السياسية في مصر، بعدما عم الفساد الاقتصادي وطغى التباين الطبقي والتنافر المجتمعي بين طبقات المجتمع المصري. إن تفعيل ذلک يمکن أن يوفر الکثير من الموارد والأموال، التي يمکن توجيهها لتحقيق الحد الأدنى للدخول دون إرهاق للموازنة العامة للدولة.
6-         لقد کان أبو ذر ينادي کذلک بضرورة إنفاق ما زاد من دخول شخصية، وأموال فردية، لتحقيق المصالح العامة للمجتمع، وتوفير ضروريات الأمة على المستوى العام. فلم يمنعه بطش الولاة وإنکار الخليفة، واعتراض بعض الصحابة على ذلک. فتراه يعترض على رأي الخليفة عثمان، ويواجه بقوة آراء والي الشام معاوية، بل ويتعدى بالضرب على کعب الأحبار عندما يعترض على مبدئه الخاص بحمل الناس على توجيه فائض دخولهم الخاصة، بعد دفع الزکاة لإنفاقها في تحقيق المصلحة العامة.
7-         رغم ذلک، کان أبو ذر مدافعاً عن الملکية الخاصة ولم يمنع من اقتناء الأموال، فهو ذاته کان يملک الإبل والغنم والخيل والمتاع ما هو ضروري لتوفير حد الکفاية اللازم له، ولکنه کان يمنع أن يُقتني أکثر من ذلک لاکتنازه، ودون أن يقوم بتنميته واستثماره لصالحه ولصالح المجتمع.
8-         يستخلص من السياسة المالية لأبي ذر، أن إنفاق المال ليصرف في ضروريات المجتمع، إذا لم يکن لذلک سبيل، ثم صرفها في المشروعات الاستثمارية، والتنمية والعمارة بصفة عامة لصالح المجتمع، ولتحقيق العائد للمالک والمجتمع في نفس الوقت، وبدفع تلک الأموال لاستثمارها في الأسواق وفي التجارة والمراعي.. وغيرها.
9-         ينادي أبو ذر بأن ملکية المال هي ملکية استخلاف وليست ملکية استحواذ. إن المال العام هو ملک للأمة وليس مملوکاً للدولة، إن الحوار الذي دار بينه وبين معاوية کان يؤکد على أن المال العام الذي هو في حوزة الدولة وتحت سيطرتها هو في الأصل مملوک للأمة تنفق منه الدولة ما يخدم مصالح الشعب من توفير المرافق والخدمات المختلفة، ثم تقوم بعد ذلک بتوزيع ما يتبقى على الأفراد کما کان الحال في توزيع العطاء.
10-     لقد کان أبو ذر ينادي بألا يتصرف الأمراء في المال من منطلق الحق الإلهي باعتباره مال الله، لأنهم عند ذلک لا يجوز لأحد أن يحاسبهم، وقد يحدث الظلم، والتمييز في توزيع تلک الأموال، وربما احتجزها الولاة والحکام لهم ولأقاربهم وأصدقائهم، وهذا ما يحدث بالفعل في کثير من المجتمعات العربية والإسلامية. إن ما حدث ويحدث في مصر منذ الثمانينات من القرن الماضي وحتى الآن لهو خير دليل على ذلک. إن تصرف الحکام باسم الشعب يترتب عليه أن يحق لکل فرد في المجتمع أن يراقب الحکام في إدارتهم لتلک الأموال، وفي نفس الوقت يجعل الأفراد يحافظون على تلک الأموال باعتبارها أموالهم وتعود بالنفع عليهم([1]).
11-     إن ما حدث بين أبي ذر، والصحابيين عثمان ومعاوية، کان اختلافا في الرأي راجعا إلى اجتهاد الفريقين لاسيما حول تفسير آية الکنز. وقد خالف جمهور الصحابة رأي أبي ذر وأن الوعيد في الآية يعود على مانعي الزکاة، وأن الأحاديث التي کانت تنهي عن الاکتناز، کانت قبل فرض الزکاة، وأنها نسخت بفرض الزکاة.
12-     لقد کان رضي الله عنه ينادي بضرورة فصل مالية الحاکم أو الخليفة أو الوالي "ماله الشخصي" عن مالية الدولة التي هي في الأصل أموال الشعب، وذلک حتى لا يحدث تداخل بينهما وتختلط أموال الراعي بأموال الرعية فتضيع الحقوق، ويحدث الظلم، وتصعب عملية الرقابة على الحاکم من جانب الشعب، ومن ثم تقل الرقابة على تلک الأموال. لقد کان يؤکد على ضرورة عمل ذلک حتى تسهل عملية مراقبة الأمة للموازنة العامة للدولة باعتبارها أموال الشعب.
13-     بالرغم من أن بعض الأفکار المالية التي کان ينادي بها أبو ذر، رفعت شعارها الشيوعية الحديثة في ظل النظام الاقتصادي الاشتراکي، إلا أن ذلک لا يعني أن أبا ذر کان اشتراکيا – ولکن کان حنيفاً مسلماً تنبثق سياسته المالية من واقع الفکر الاقتصادي الذي تميز به النظام الاقتصادي الإسلامي. فما کان أبو ذر اشتراکياً، ولا رأسمالياً، ولکنه کان رافعاً لراية ضرورة تفعيل الأسس الاقتصادية التي ينادي بها الکتاب والسنة.


([1]) يؤکد ذلک قول عمر بن الخطاب يوصي رجاله بالحفاظ على المال العام کمراعي الخيل والإبل لأنها مال المسلمين فلا يجوز عدم رعايتها ولا ينبغي الترخص فيها، حيث يقول «فلا يترخص أحدکم في البرزعة أو الحبل أو القتب، فإن ذلک للمسلمين، ليس أحد منهم إلا وله فيه نصيب، فإن کان لإنسان واحد رآه عظيماً، وإن کان لجماعة المسلمين ارتخص فيه وقال: مال الله» إن وجود نصيب للفرد في الموارد القومية وثروات الأمة يدعوه للحفاظ عليها، والمشارکة في عمارتها وتثميرها وتنميتها، وإلا فلا.

نقاط رئيسية

 

1-    البحث فی ثنایا الفکر الاقتصادی لکبار الصحابة، مع استخلاص السمات الرئیسیة والملامح العامة للفکر الاقتصادی

2-    الاهتداء بالسیاسة الاقتصادیة لذلک الصحابی، والاسترشاد بها،

3-    التأکید على قدرة السیاسة الاقتصادیة المنبثقة عن النظام الاقتصادی الإسلامی على صیاغة أهداف اقتصادیة واضحة ومحددة، ومتوافقة مع الظروف المعاصرة.

تحدید الأدوات الاقتصادیة (أدوات السیاسة المالیة والنقدیة والتجاریة، لإمکانیة تحقیق تلک الأهداف، ومن ثم علاج الفقر، ورفع معدلات النمو الاقتصادی للکثیر من الدول العربیة والإسلامیة.

4-    الوقوف وراء الآراء والتوجهات التی تنادی بأهمیة العودة إلى ضرورة تفعیل السیاسة الاقتصادیة فی النظام الاقتصادی الإسلامی، لاسیما السیاسة الاقتصادیة لکبار الصحابة والتابعین ومنهم أبو ذر الغفاری، 

الكلمات الرئيسية