دور مراکز البحوث في تطوير الفکر الاقتصادي الإسلامي " تقييم تجربة مرکز صالح کامل للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر "

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس (باحث) الاقتصاد مرکز صالح کامل للاقتصاد الإسلامي – جامعة الأزهر بالقاهرة

المستخلص

تستهدف الدراسة التعرف على دور مراکز البحوث في تطوير الاقتصاد الإسلامي؛ وذلک من خلال تقييم دور مرکز صالح کامل للاقتصاد الإسلامي في تطور الفکر الاقتصادي الإسلامي، منذ أن تم إنشائه وحتى عام 2017م. وذلک وصولاً إلى معرفة الواقع الحالي واقتراح المأمول مستقبلاً لتفعيل هذا الفکر ودفعه کي يتبوأ المکانة اللائقة به. ويُقصد بالفکر الاقتصادي محاولات المسلمين (علماء وغيرهم) في التأليف والکتابة وتوليد المعرفة المتعلقة بإشباع حاجات الإنسان، استناداً لمصادر المعرفة الإسلامية (القرآن الکريم والسنة النبوية)، أما دور مراکز البحوث في تطوير الفکر الاقتصادي الإسلامي فيُقصد به الأنشطة التي يتم من خلالها إنتاج المعرفة الاقتصادية الإسلامية.
لتحقيق ذلک تم تقسيم الدراسة إلى ثلاثة مباحث؛ تناول المبحث الأول منها مفهوم مراکز البحوث وأهميتها، أما المبحث الثاني فتناول دور مراکز البحوث في تطوير الاقتصاد الإسلامي، والمبحث الثالث تناول تجربة مرکز صالح کامل للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر.
 Abstract
The study aims to identify the role of research centers in the development of the Islamic economy by evaluating the role of SalehKamelCenter for Islamic Economics in the development of Islamic economic thought since its establishment until 2017. To achieve this, the study was divided into three topics. The first topic dealt with the concept of research centers and their importance. The second topic dealt with the role of research centers in the development of the Islamic economy. The third topic dealt with the experience of SalehKamelCenter for Islamic Economics at Al-AzharUniversity.

الكلمات الرئيسية


 

 

 

 

دور مراکز البحوث فی تطویر الفکر الاقتصادی الإسلامی

" تقییم تجربة مرکز صالح کامل للاقتصاد الإسلامی بجامعة الأزهر "

 

 

 

د/ ضیاء محمد أحمد حسن

مدرس (باحث) الاقتصاد بمرکز صالح کامل للاقتصاد الإسلامی – جامعة الأزهر بالقاهرة

 

 

 

 

المستخلص

تستهدف الدراسة التعرف على دور مراکز البحوث فی تطویر الاقتصاد الإسلامی؛ وذلک من خلال تقییم دور مرکز صالح کامل للاقتصاد الإسلامی فی تطور الفکر الاقتصادی الإسلامی، منذ أن تم إنشائه وحتى عام 2017م. وذلک وصولاً إلى معرفة الواقع الحالی واقتراح المأمول مستقبلاً لتفعیل هذا الفکر ودفعه کی یتبوأ المکانة اللائقة به. ویُقصد بالفکر الاقتصادی محاولات المسلمین (علماء وغیرهم) فی التألیف والکتابة وتولید المعرفة المتعلقة بإشباع حاجات الإنسان، استناداً لمصادر المعرفة الإسلامیة (القرآن الکریم والسنة النبویة)، أما دور مراکز البحوث فی تطویر الفکر الاقتصادی الإسلامی فیُقصد به الأنشطة التی یتم من خلالها إنتاج المعرفة الاقتصادیة الإسلامیة.

لتحقیق ذلک تم تقسیم الدراسة إلى ثلاثة مباحث؛ تناول المبحث الأول منها مفهوم مراکز البحوث وأهمیتها، أما المبحث الثانی فتناول دور مراکز البحوث فی تطویر الاقتصاد الإسلامی، والمبحث الثالث تناول تجربة مرکز صالح کامل للاقتصاد الإسلامی بجامعة الأزهر.

الکلمات المفتاحیة: الفکر الاقتصادی الإسلامی، مراکز البحوث، تطور الفکر الاقتصادی الإسلامی، مرکز أبحاث الاقتصاد الإسلامی بجدة، مرکز صالح کامل للاقتصاد الإسلامی


Abstract

The study aims to identify the role of research centers in the development of the Islamic economy by evaluating the role of SalehKamelCenter for Islamic Economics in the development of Islamic economic thought since its establishment until 2017. To achieve this, the study was divided into three topics. The first topic dealt with the concept of research centers and their importance. The second topic dealt with the role of research centers in the development of the Islamic economy. The third topic dealt with the experience of SalehKamelCenter for Islamic Economics at Al-AzharUniversity.

Keywords: Islamic Economic Thought, ResearchCenters, Islamic Economic Thought Development, Islamic EconomicsResearchCenter in Jeddah, SalehKamelCenter for Islamic Economics

 

مقدمة

تواجه الأمة الإسلامیة العدید من التحدیات التی تفرض نفسها کقضایا أساسیة ومهمة یتوجب على المسلمین الاهتمام بها ودراستها ومحاولة مواجهتها. أهم هذه القضایا هی القضایا السیاسیة والاقتصادیة، والتی یترتب علیهما العدید من القضایا الاجتماعیة والثقافیة والعلمیة.

وتبرز القضایا الاقتصادیة کأهم القضایا التی تواجه الدول النامیة عامة والدول الإسلامیة خاصة، وتسعى إلى البحث عن الحلول والمعالجة لهذه القضایا بما لا یتعارض مع ثوابت الشریعة الإسلامیة من حل وتحریم.

لقد تعرضت الأمة الإسلامیة لضربات شدیدة وأزمات مزعجة، بدایة من القرن التاسع عشر المیلادی وحتى الآن (2019م). وکان أخطر هذه الضربات الاحتلال الأوربی - بحجة الاستعمار colonization-* لمعظم البلدان الإسلامیة فی آسیا وأفریقیا، والانهیار التام للدولة العثمانیة التی کانت قد وصلت إلى درجة بالغة من الضعف والتفکک[1]. وقد ترتب على هذا الاحتلال نهب لثروات الأمة ومواردها الاقتصادیة، وتبعیة سیاسیة واقتصادیة وثقافیة، ما انفکت الأمة تعانی منها حتی الآن.

ورغم ما تحقق من استقلال سیاسی للبلدان الإسلامیة – واحدة تلو الأخرى - فی الفترة التالیة للحرب العالمیة الثانیة، إلا أن معظم البلدان الإسلامیة ظلت – ولا زالت- تعانی من التبعیة الاقتصادیة للدول الأوربیة والولایات المتحدة، وهو ما أنعکس فی سیطرة نموذجی الرأسمالیة والاشتراکیة على محاولات التنمیة الاقتصادیة فی جمیع البلدان الإسلامیة، ومحاولة تطویعهما لیناسبا هذه البلدان، وهو ما ترتب علیه مزید من التبعیة الاقتصادیة، وفشل محاولات النمو والتقدم الاقتصادی فی هذه البلدان.

فی هذه الفترة، بدأت تظهر محاولات جادة تستهدف إحیاء المعرفة والفکر الاقتصادی الإسلامی؛ حیث ظهر مصطلح " الاقتصاد الإسلامی" خلال القرن الرابع عشر الهجری بدایة القرن العشرین المیلادی؛ تعبیراً عن إرادة " العقل الجمعی" لشعوب البلدان الإسلامیة فی العودة إلی الإسلام کمرجعیة أساسیة فی شتى جوانب الحیاة، ومنها الجانب الاقتصادی، هذا من ناحیة، ومن ناحیة أخرى کان ظهور مصطلح " الاقتصاد الإسلامی" تعبیراً عن تراث علمی موجود من قبل[2].

وکان من أبرز التطورات فی مسار الفکر الاقتصادی الإسلامی فی هذه الفترة تدریس مقررین للاقتصاد الإسلامی بکلیة المعاملات المالیة والإدارة (کلیة التجارة حالیاً)، قاما بتدریسهما المستشار الدکتور محمد شوقی الفنجری. وهو ما ساهم بشکل کبیر تخریج عدد من طلاب الکلیة الذین کانوا فی طلیعة الباحثین الذین تناولوا موضوعات فی الفکر الاقتصادی الإسلامی؛ وعلى رأسهم الأستاذ الدکتور رفعت العوضی، الأستاذ الدکتور شوقی أحمد دنیا، الأستاذ الدکتور یوسف إبراهیم یوسف، الأستاذ الدکتور شعبان فهمی، الأستاذ الدکتور محمود لاشین، الأستاذ الدکتور محمد السید برس، ثم توالى تسجیل ومناقشة رسائل علمیة (ماجستیر ودکتوراه) فی موضوعات مختلفة فی الاقتصاد الإسلامی.

وهکذا بدأ الفکر الاقتصادی الإسلامی فی الظهور من جدید، وبدأ الاهتمام به ینمو ویزدهر، وتمخض هذا عن انعقاد أول مؤتمر عالمی للاقتصاد الإسلامی أُقیم فی مکة المکرمة عام 1976م. بعد انعقاد هذا المؤتمر تطور الاهتمام بالفکر الاقتصادی الإسلامی، حیث بدأ یأخذ شکل مؤسسی؛ فکان إنشاء مرکز أبحاث الاقتصاد الإسلامی بجدة أحد أهم توصیات المؤتمر، لیکون اللبنة الأساس فی دعم ونشر البحوث العلمیة, وعقد المؤتمرات والندوات التی تخدم الاقتصاد الإسلامی، کما بدأت بلدان إسلامیة أخرى مثل مصر وباکستان والسودان.......... وغیرها فی الاهتمام بالاقتصاد الإسلامی.

وکان لمرکز أبحاث الاقتصاد الإسلامی بجدة بصفة خاصة، ولغیره من مراکز الأبحاث بصفة عامة دور أساسی وفعال فی تطویر الفکر الاقتصادی الإسلامی. لذا یحاول البحث التعرف على دور مراکز البحوث فی تطویر الفکر الاقتصادی الإسلامی؛ باعتبار القضایا الاقتصادیة من القضایا الأساسیة التی تواجه الأمة الإسلامیة، والتعامل معها یجب أن یکون وفقاً للشریعة الإسلامیة التی تمیز الأمة الإسلامیة عن سائر الأمم.

 

أهمیة الدراسة

تکتسب هذه الدراسة أهمیتها من خلال الدور الذی قامت به مراکز البحوث فی تطویر وتجوید المعرفة الاقتصادیة الإسلامیة، من خلال إنتاج معرفة اقتصادیة إسلامیة منقحة ومحکمة، بالإضافة إلى الدور الذی قامت به فی نشر المعرفة الاقتصادیة والترویج لها من خلال إقامة المؤتمرات والندوات الدولیة والعالمیة، والذی کان له صدى کبیر على المستوى النظری والتطبیقی.

مشکلة الدراسة

تتمثل المشکلة التی تحاول الدراسة استعراضها وتحلیلها فی تراجع الدور الذی تقوم به مراکز البحوث فی تطور الفکر الاقتصادی الإسلامی، على الرغم من الدور المهم الذی قامت به فی بدایة نشأتها. خاصة فی ظل کل ما تعانی منه بعض الکتابات فی الاقتصاد الإسلامی من عدم العلمیة والعشوائیة، والاختلاف الکبیر بین المؤلفین والباحثین فی الأصول والمبادئ الأساسیة للاقتصاد الإسلامی.

فرضیة الدراسة

تحاول الدراسة اختبار فرضیتین أساسیتین هما:

  • أدت مراکز البحوث دور مهم فی تطویر الفکر الاقتصادی الإسلامی.
  • وجود علاقة طردیة بین دور مراکز البحوث وبین تطور الفکر الاقتصادی الإسلامی.

أهداف الدراسة

تحاول الدراسة تحقیق الأهداف التالیة:

  • التعرف على مفهوم مراکز البحوث وأهمیتها.
  • التعرف على دور مراکز البحوث فی تطور الاقتصاد الإسلامی.
  • استعراض تجربة مرکز صالح کامل للاقتصاد الإسلامی وتقییمها.

ولتحقیق هذا الهدف تم تقسیم البحث إلى المباحث التالیة:-

المبحث الأول: مفهوم مراکز البحوث وأهمیتها

المبحث الثانی: دور مراکز البحوث فی تطویر الفکر الاقتصادی الإسلامی.

المبحث الثالث: تقییم تجربة مرکز صالح کامل للاقتصاد الإسلامی.

المبحث الأول

مفهوم مراکز البحوث وأهمیتها

أصبحت مراکز البحوث ذات دور مهم، خاصة لدى صُناع ومتخذی القرار، وهذا یصدُق على المجتمعات الغربیة، أما المجتمعات المسلمة – معظمها دولاً نامیة- فإن أهمیة مراکز البحوث لیست على نفس الدرجة؛ وذلک لأسباب عدیدة – سیتم مناقشتها لاحقاً-. وتأتی هذه الأهمیة لمراکز البحوث من کونها مؤشراً للمنجزات الحضاریة والنهضویة والثقافیة، وعنواناً للتقدم وأحد مؤشراته فی التنمیة ورسم السیاسات.

ویرتبط تحقیق مراکز البحوث للأهداف التی تم تأسیسها لأجلها بالعدید من العوامل، یأتی فی مقدمة هذه العوامل توافر التمویل، والذی بدونه لا تستطیع هذه المراکز القیام بالأدوار المنوطة بها.

نحاول من خلال هذا المبحث التعرف على مفهوم مراکز البحوث وأهمیتها، وذلک على النحو التالی:

أولاً: مفهوم مراکز البحوث

یتکون مصطلح " مراکز البحوث" من کلمتین؛ کل کلمة منهما لها دلاتها ومفهومها، نبدأ بتعریف کلمة مراکز، وهی لغة: " المَراکِزُ منابت الأَسنان ومَرْکَزُ الجُنْدِ الموضع الذی أُمروا أَن یلزموه وأُمروا أَن لا یَبرَحُوه ومَرْکَزُ الرجل موضعُه یقال أَخَلَّ فلانٌ بِمَرْکَزِه وارْتَکَزْتُ على القوس إِذا وضعت سِیَتَها بالأَرض ثم اعتمدت علیها ومَرْکَزُ الدائرة وَسَطُها"[3]. ویستفاد من التعریف اللغوی أن کلمة " مراکز" جمع مرکز، ویعنی الموضع أو المکان. أما کلمة " البحوث"، جمع "بحث"، والبحث لغة: " طَلَبُکَ الشیءَ فی التُّراب؛ بَحَثَه یَبْحَثُه بَحْثاً، وابْتَحَثَه. والبَحْثُ أَن تَسْأَل عن شیء، وتَسْتَخْبر. والبُحُوثُ: جمع بَحْثٍ. قال ابن الأَثیر: ورأَیت فی الفائق سورة البَحُوث، بفتح الباء، قال: فإِن صحت، فهی فَعُول من أَبنیة المبالغة، ویقع على الذکر والأُنثى، کامرأَة صَبور، ویکون فی باب إِضافة الموصوف إِلى الصفة"[4]. وجاء فی معجم مقاییس اللغة لابن فارس أن الباء والحاء والثاء أصلٌ واحد، یدلُّ على إثارة الشیء؛ قال الخلیل: البحث طلبک شیئاً فی التُّراب. والبحث أن تسأل عن شیء وتستخبر. تقول استَبْحِثْ عن هذا الأمر، وأنا أستَبْحِثُ عنه. وبحثْتُ عن فلانٍ بحثاً، وأنا أبحث عنه[5]. ویُستفاد من المعنى اللغوی أن کلمة " البحوث" تفید التفتیش والتنقیب عن الحقیقة.

وأما تعریف " مراکز البحوث" اصطلاحاً؛ فثمة عدم اتفاق حول تعریف محدد یمکن من خلاله التعرف على مفهوم " مراکز البحوث"، والسبب فی هذا هو التداخل _ المتعمد فی بعض الأحیان- الحادث بین مصطلحی مراکز البحوث وما یُسمى بـ " الثینک تانکس". وفی هذا الصدد یقول أحد الباحثین: " ثمة غموض یحیط بتعریف مراکز البحث والدراسات أو "الثینک تانکس" Think Tanks. فتعریف هذه المراکز لا یزال محل خلاف؛ نظراً إلى أن معظم المؤسسات والمراکز المنتمیة إلى مجال البحث، لا تعدّ نفسها من صنف الـ "ثینک تانکس" فی وثائق تعریف الهویة الذاتیة، وإنما تعلن عن نفسها کمنظمة غیر حکومیّة أو منظمة غیر ربحیة، لذا، یبقى هذا المفهوم فضفاضاً، ویحتمل أکثر من تعریف؛ بسبب کثرة التفاصیل والحیثیّات التی تحیط به، والأبعاد التی تکتنفه."[6]. على هذا النحو یُصبح لدینا مصطلحین – إن صح التعبیر-؛ أولهما: مراکز البحوث، والتی هى موضوع بحثنا، وثانیهما: هو الثینک تانکس Think Tanks، والتی تترجم إلى مراکز الفکر أو التفکیر. والواقع أن أغلب التعاریف الموجودة والمتداولة فی أدبیات هذا الموضوع ترکز على المصطلح الثانی: الثینک تانکس. ولأجل التخلص من هذا الغموض، وتحدید مفهوم مصطلح " مراکز البحوث" فی بحثنا هذا، سوف نستعرض فقرات مما کُتب فی هذا الصدد، ثم نقوم بتحلیها، ونختتم هذا ببیان "مفهوم مراکز البحوث" کما هو موجود فی عنوان هذا البحث، وذلک على النحو التالی:

  • ذکر علی الصالح مُولى فی مقدمة بحثه المعنون بــ [ الثینک تانکس أو إمبراطوریات الفکر: مدخل إلى فهم الوجه الآخر لقوة الولایات المتحدة الأمریکیة] ما نصه: ".... إننا نعنی على وجه التدقیق مراکز البحث ودورها فی إنتاج المعرفة وإسهامها فی توجیه الرأی العام وتوفیر ما یحتاج إلیه صُناع القرار من معلومات واستشارات ودراسات، ولیس لمراکز البحث التی تعرف الیوم انتشاراً واسعاً فی أغلب دول العالم، النفوذ والفاعلیة اللازمان لتندرج فی سیاق بحثنا. إن کثیراً منها لا یزید عن کونه نوادی ثقافیة أو مؤسسات بحثیة منغلقة على نفسها أو هیئات إعلامیة وشبه أکادیمیة یقع استثمارها من قبل کثیر من أنظمة العالم غیر الدیمقراطیة لتکون سنداً لها بما توفره من دعایة سیاسویة (سیاسیة) وأیدیولوجیة تتحرک على سطح الأحداث ولا تنغمس فیها توجیها وتعدیلاً. "[7]. وفی موضع آخر من بحثه یذکر الباحث ما نصه: "....هکذا إذن یمکن الذهاب فی شیء من الاطمئنان إلى أن الثینک تانکس وإن بدأت تتسرّبُ بنسق متسارع إلى جهات کثیرة فی العالم، فإن الجدل حول ماهیتها والأدوار التی تؤدیها أو یُفترض أن تقوم بها یشیر إلى شیئاً ما مازال یحتاج إلى تعمیق النظر فیها عسى تخرج الثینک تانکس من محلیتها الأمریکیة أولاً، وعسى أن تتحول مراکز البحث التقلیدیة خارج المجال الأمریکی إلى منشآت فعالة وذات وظائف ریادیة فی إنتاج مسارات للعالم یتحرک فیها صُناع القرار الدولیون ثانیاً."[8].
  • یُعرف هوارد، ج ویاردا مراکز البحوث بأنها: " عبارة عن مراکز للبحث والتعلیم، ولا تشبه الجامعات أو الکلیات، کما أنها لا تقدم مساقات (مناهج) دراسیة؛ هی مؤسسات غیر ربحیة، وإن کانت تملک " منتجاً" وهو الأبحاث. هدفها الرئیسی البحث فی السیاسات العامة للدولة، ولها تأثیر فعال فی مناقشة تلک السیاسات. کما أنها ترکز اهتماماً على التنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة، والسیاسة العامة والدفاع والأمن والخارجیة، کما لا تحاول تقدیم معرفة سطحیة لتلک المسائل؛ بقدر مناقشتها والبحث فیها بشکل عمیق، ولفت انتباه الجمهور لها"[9].
  • یذکر فهد بن مطر الشهرانی أن مراکز البحوث هی: "وحدة بحثیة مستقلة، تهدُف إلى تحقیق إنجازات نوعیة، وابتکاریة فی تخصص معین، کما تهدف إلى تعزیز القدرات ودعم البرامج البحثیة والرُقی بها فی ذلک التخصص، والقیام بأنشطة تدعم المجالات العلمیة والبحثیة."[10].
  • التقریر الصادر عن معهد لودر بجامعة بنسلفانیا بالولایات المتحدة الأمریکیة لسنة 2014م، یُعرف "الثینک تانکس" بأنها: مؤسسات تهتم بأبحاث السیاسات العامة وتحلیلها، وتوفر المعلومات، وتقدمها بطریقة مفهومة وموثوقة، وتستقرئ المسارات المستقبلیة المحتملة؛ وبالتالی تقوم بتقدیم النصح والمشورة محلیاً وعالمیاً، لتُعین صانع القرار فی الجهات الرسمیة وغیر الرسمیة (مؤسسات، شرکات، أحزاب...) فی اتخاذ القرارات المناسبة[11].

فی ضوء ما تم استعراضه عالیه، یمکن استخلاص عدد من النقاط، وهی:-

  • أن أغلب التعاریف المتاحة یُرکز على " الثینک تانکس"، وهناک " ندرة" فی أدبیات موضوع " مراکز البحوث".
  • ما ذکره علی صالح مُولى یُلخص الفرق بین مراکز البحوث، والثینک تانکس، وقد قدم وصفاً دقیقاً لمراکز البحوث الموجودة خارج الولایات المتحدة الأمریکیة، ویرى الباحث أنه وصف لواقع مراکز البحوث فی البلدان الإسلامیة؛ حیث یقول: " إن کثیراً منها لا یزید عن کونه نوادی ثقافیة أو مؤسسات بحثیة منغلقة على نفسها أو هیئات إعلامیة وشبه أکادیمیة یقع استثمارها من قبل کثیر من أنظمة العالم غیر الدیمقراطیة لتکون سنداً لها بما توفره من دعایة سیاسویة (سیاسیة) وأیدیولوجیة تتحرک على سطح الأحداث ولا تنغمس فیها توجیها وتعدیلاً"[12].
  • ما ذکره هوارد، ج ویاردا، عبارة عن خصائص أو سمات " الثینک تانکس"
  • ما ذکره فهد ابن مطر الشهرانی فی تعریف مراکز البحوث، هو التعریف المناسب والملائم لمراکز البحوث الموجودة فی الوطن العربی والبلدان الإسلامیة؛ حیث أنها مراکز یتوقف دورها عند إنتاج الابحاث وتدعیمها، دون أن یکون لها أی دور أو اتصال بصُناع القرار.

فی ضوء هذه النقاط یمکن للباحث القول أن " الثینک تانکس" ما هی إلا مراکز بحوث، ولکنها ذات فاعلیة وکفاءة عالیة، ولها علاقاتها القویة بصُناع القرار، وهی ترکز على السیاسات العامة. وهو ما یحتاج إلیه العالم الإسلامی أکثر من غیره، فی ظل ما یواجهه من قضایا مهمة وملحة. کذلک یمکن القول بأن البلدان الإسلامیة لا تملک مراکز بحوث على درجة عالیة من الکفاءة والفاعلیة کتلک التی تتمتع بها المراکز التی یُطلق علیها " الثینک تانکس". وبعیداً عن الاستغراق فی الاختلاف فی المسمیات والمصطلحات، فإن مصطلح " مراکز البحوث" إنما یعنی تلک المراکز المخصصة لدراسة وبحث قضایا معینة، تختلف باختلاف المجال الذی یتخصص فیه المرکز، سواء کانت هذه المجالات علمیة أو سیاسیة أو اجتماعیة أو اقتصادیة، واستخدام ما تم التوصل إلیه من نتائج فی معالجة المشکلات الآنیة، وذلک من خلال التنسیق والاتصال بین هذه المراکز وبعضها البعض من ناحیة، وبین متخذی القرار من ناحیة أخرى.

ثانیاً: أهمیة مراکز البحوث

یتفق الجمیع على أن مراکز البحوث ذات أهمیة کبیرة فی استعراض ومناقشة وتحلیل القضایا المختلفة لأی مجتمع، ولکن هذه الأهمیة تتوقف على مدى کفاءة وفاعلیة هذه المراکز ومدى ارتباطها بصانع القرار بواقع المجتمع، بصفة عامة یمکن بیان أهمیة مراکز البحوث فی النقاط التالیة[13]:

  • مراکز البحوث تؤدی دورًا کبیرًا فی إلقاء الضوء على العدید من القضایا والمشکلات المتعلقة بالمجتمع؛ حیث تساعد نتائج تلک البحوث صُناع القرار على اتخاذ قراراتهم، لاسیما فی مجال السیاسات العامة والسیاسات الاجتماعیة.
  • مراکز البحوث أسهمت فی نهضة أمریکا، وأوروبا، وروسیا، وشجعت على التحدّی والتطویر الحقیقی لمراحل النهضة المطلوبة فی هذه الدول؛ بتحدید خیارات البحث؛ کمراکز البحث فی مجالات الأدویة، ومراکز أبحاث الصناعات بمختلف اتّجاهاتها مثل صناعة السیارات، وصناعة الأسلحة، والحاسب الآلی. وغیر ذلک من المجالات.
  • مراکز البحوث تُعد أحد المقومات التی تتکئ علیها الدول فی تقدمها الحضاری والتقنی، وذلک بسبب ما تقدمه هذه المراکز من استشراف للمستقبل فی کافة الاصعدة؛ حتى أصبحت هذه المراکز مؤثرة جدًا فی صنع القرار.

وعلى الرغم من هذه الأهمیة لمراکز البحوث، وأدوارها المختلفة فی تحقیق النهوض على مختلف المستویات والمجالات، إلا أن الحالة التی علیها الأمة الإسلامیة الیوم، تعکس محدودیة الدور التی تقوم به هذه المراکز فی مواجهة القضایا المختلفة التی تواجهها الأمة الإسلامیة، وذلک بسبب عدم کفاءة وفاعلیة هذه المراکز، وانفصالها عن واقع الأمة. أن أی دور لمراکز البحوث فی مواجهة قضایا الأمة الإسلامیة، لا یمکن أن یتواجد إلا بتوافر الإرادة السیاسیة للبلدان الإسلامیة فی تواجد هذا الدور، وهو ما یترتب علیه ارتباط هذه المراکز بُصناع ومتخذی القرار، وبالتالی توافر کافة الإمکانیات المادیة والبشریة لهذه المراکز.

المبحث الثانی

دور مراکز البحوث فی تطویر الفکر الاقتصادی الإسلامی

بدایةً یجب التأکید على أن مرکز أبحاث الاقتصاد الإسلامی بجامعة الملک عبدالعزیز بجدة، هو أول مرکز متخصص فی أبحاث الاقتصاد الإسلامی، وتم إنشائه فی عام 1397هـ، 1977م ؛ وهو ما یُشیر إلى عدم إمکانیة الحدیث عن دور لمراکز البحوث فی تطویر الفکر الاقتصادی الإسلامی قبل هذا التاریخ.

فی ضوء هذا یسعى الباحث إلى التعرف على دور مراکز البحوث فی تطویر الاقتصاد الإسلامی، لذا نبدأ باستعراض أهم المراحل التی مر بها الفکر الاقتصادی الإسلامی؛ وذلک من هجرة الرسول $ حتى تاریخ إنشاء مرکز أبحاث الاقتصاد الإسلامی بجدة؛ باعتباره أول مرکز متخصص فی الاقتصاد الإسلامی.

فیما یلی نستعرض بإیجاز أهم المراحل التی مر بها الفکر الاقتصادی الإسلامی.

أولاً: أهم مراحل تطور الفکر الاقتصادی الإسلامی

یمکن تلخیص وإیجاز اهم المراحل التی مر بها الفکر الاقتصاد الإسلامی على النحو التالی:

1- مرحلة التأسیس

تمتد هذه المرحلة من بدایة الهجرة إلى منتصف القرن الثانی الهجری تقریباً؛ حیث لم تشهد هذه الفترة کتابة أو تدوین الأفکار الاقتصادیة بطریقة علمیة[14]، وأغلب الأفکار الاقتصادیة خلال هذه الفترة کانت شفهیة؛ وما کُتب منها لم یکن من قبیل التدوین العلمی، وإنما کان فی شکل وثائق أو خطابات متفرقة[15].

2- مرحلة التدوین

وتمتد هذه المرحلة من منتصف القرن الثانی الهجری حتی بدایة الربع الأخیر من القرن الرابع عشر الهجری تقریباً؛ وفی هذه المرحلة لم تکن الکتابة فی الاقتصاد الإسلامی تحت مسمی الاقتصاد الإسلامی، وإنما کانت ترد ضمن الکتابات المختلفة فی شتى العلوم الإسلامیة. وشهدت هذه الفترة توسع النشاط الاقتصادی فی الدولة الإسلامیة وتعدد صوره، وهو ما ساعد على بدایة ظهور الأفکار الاقتصادیة فی ثنایا العلوم الإسلامیة المختلفة -التی بدأ تدوینها فی ذلک الوقت-، وخاصة فی الکتابات الفقهیة، ومن أمثلة هذه الکتابات ومؤلفیها ما یلی[16]:-

  • کتاب الخراج لأبی یوسف (ت 182هــ) وکتاب الخراج لموسى الرازی (کان حیاً قبل 189هـ).
  • کتاب (الکسب) للشیبانی (ت 189ه).
  • التجارات لصفوان البحلی  (ت 210 هــ)، کتاب التبصر بالتجارة للجاحظ (ت 255ه)
  • الأرزاق للنظَّام (ت 231هــ).
  • الأرزاق والآجال والأسعار للنوبختی (ت 310 هــ).
  • التجارة لأبو فرج الأصبهانی (ت 356هــ).
  • کتاب الإشارة إلی محاسن التجارة للدمشقی [ القرنین الخامس والسادس الهجریین]
  • کتاب الغرض المطلوب فی تدبیر المأکول والمشروب لأبن رقیقة (ت 635 هــ).
  • کتاب الطرق الحکمیة فی السیاسة الشرعیة لابن القیم (751ه).
  • کتاب قسم المبتکر فی قصم المحتکر للملطی (788هــ).
  • کتاب المقدمة لابن خلدون (808هـــ).
  • کتاب الفلاکة والمفلکون للدلجی (ت 838 هـــ).
  • کتاب إغاثة الأمة بکشف الغمة للمقریزی (ت 845 هـ).
  • کتاب حصول الرفق فی تحصیل الرزق للسیوطی (911هــ).

3- مرحلة الاستقلالیة وظهور مصطلح الاقتصاد الإسلامی

یمکن تحدید بدایة هذه المرحلة من الربع الأخیر من القرن الرابع عشر هجری (النصف الثانی من القرن العشرین میلادی) وحتی الوقت الحاضر (1438هـ- 2017م)، وهی الفترة التی شهدت مولد وظهور مصطلح الاقتصاد الإسلامی[17]، وقد تأثر ظهور المصطلح بعدة عوامل یمکن إیجازها فیما یلی:-

  • الوضع الذی أصبح علیه حال المجتمعات الإسلامیة، وما تعانیه من حالة اقتصادیة تتصف بالتخلف وتصنیف معظمها کدول نامیة، وهو ما أدى إلى بزوغ ظاهرة الصحوة الإسلامیة، والتی کان من آثارها العودة إلى الدین باعتباره أساساً لکل نظام سیاسی واجتماعی واقتصادی، والرجوع إلى التراث الحضاری ومحاولة الاستفادة منه فی التعامل مع الواقع الاقتصادی والاجتماعی والسیاسی للمجتمعات الإسلامیة[18].
  • فشل نظریات الاقتصاد الوضعی فی تحقیق التقدم والنمو الاقتصادی للدول الإسلامیة، بل إنها کانت سبباً فی بعض المظاهر الاجتماعیة والثقافیة والاقتصادیة السیئة، وهو ما دفع مفکری الصحوة الإسلامیة من المشتغلین بمیدان الاقتصاد إلى إعادة النظر فی المفاهیم والنظریات التی قدمها علماء الاقتصاد الغربیین[19].
  • أهمیة تحقیق الاستقلال الاقتصادی وتطویر نظام اقتصادی ینسجم مع مبادئ الشریعة الإسلامیة[20].

هذه بعض من العوامل التی ساعدت فی ظهور مصطلح الاقتصاد الإسلامی، أما عن نمو وتطور المعرفة فی الاقتصاد الإسلامی خلال هذه المرحلة فقد تمکن رواد الاقتصاد الإسلامی المعاصر، سواء من المفکرین أو العاملین فی المجالات السیاسیة والاجتماعیة أن یطرحوا بقوة قضیة الاقتصاد الإسلامی؛ وذلک من خلال تقدیم الحلول والمعالجات التی تتلاءم مع الشریعة السمحاء، وبدأت اجتهادات المفکرین فی تحلیل مشکلات المجتمعات الإسلامیة ومحاولة معالجتها فی إطار الشریعة الإسلامیة. وعلی هذا النحو ظهرت مساهمات عدیدة عن النظام الاقتصادی الإسلامی وفی مجالات الربا والبنوک الإسلامیة والزکاة والضرائب والنقود والتنمیة الاقتصادیة والتضخم، وغیرها من الموضوعات العامة فی الاقتصاد، ورغم اختلاف هذه المساهمات من حیث جودتها وقابلیتها للتطبیق، إلا أنها کانت فی مجملها تهدف إلى محاولة إرساء معالم نظام اقتصادی إسلامی، ووضع قواعد لعلم اقتصاد إسلامی[21].

ثانیاً: ظهور مراکز البحوث المتخصصة فی الاقتصاد الإسلامی

بدایة هذه الفترة هی تاریخ انعقاد المؤتمر العالمی الأول للاقتصاد الإسلامی بمکة المکرمة بالمملکة العربیة السعودیة، وذلک فی عام 1396هـ - 1976م، والذی کان یهدف إلى دراسة النظم الاقتصادیة الإسلامیة، وعمل البحوث اللازمة لإیضاحها وتطبیقها بما یتفق ومتطلبات المجتمع. وقد دُعی إلیه أساطین الاقتصاد الوضعی، وناقش أبحاثاً کثیرة ومتنوعة بمختلف المجالات الاقتصادیة[22]. والسبب فی اختیار هذه البدایة هو أن المؤتمر العالمی الأول للاقتصاد الإسلامی کان بمثابة نقطة البدء الکبرى أو نقطة الانطلاق الکبرى للبحث فی مجال الاقتصاد الإسلامی، والذی کان ضمن أهم توصیاته إنشاء مرکز أبحاث الاقتصاد الإسلامی بجدة[23].

ویمکن القول أن الکتابة فی الاقتصاد الإسلامی منذ هذا التاریخ، أخذت اتجاهاً مختلفاً؛ فبعد أن کانت الکتابة فی الاقتصاد الإسلامی تتم من خلال المحاولات الفردیة بدوافع شخصیة، أصبحت تتم فی إطار من العمل المؤسسی، من خلال الأقسام العلمیة التی تم افتتاحها فی بعض الکلیات فی المملکة العربیة السعودیة، والسودان، وعدد من الدول الأخرى، والجزء الأکبر من الکتابة کان من خلال المعهد الإسلامی للبحوث والتدریب التابع للبنک الإسلامی للتنمیة، ومرکز أبحاث الاقتصاد الإسلامی بجامعة الملک عبدالعزیز بجدة، ومرکز صالح کامل للاقتصاد الإسلامی بجامعة الأزهر بالقاهرة، وفی هذا الصدد یقول أحد الباحثین[24] " کانت الکتابة فی الاقتصاد الإسلامی عبارة عن جهود فردیة متناثرة، إلى أن هیأ الله سبحانه وتعالى للمهتمین بالاقتصاد الإسلامی التداعی لعقد المؤتمر العالمی للاقتصاد الإسلامی تحت رعایة جلالة الملک خالد بن عبدالعزیز آل سعود- یرحمه الله تعالى- فی صفر 1396هـ، ومن ثم تم إنشاء مرکز أبحاث الاقتصاد الإسلامی. تمکن المرکز من اجتذاب باحثین ذوی مؤهلات عالیة فی الاقتصاد والشریعة للمشارکة فی أبحاثه. والغالبیة العظمى ممن کتبوا أو یکتبون حالیاً أبحاثاً للمرکز هم أساتذة الجامعات والعدید منهم یحتل مناصب علمیة مهمة، ولهم مساهمات علمیة منشورة، وقد نال العدید من الباحثین بالمرکز کما أسلفنا جوائز علمیة، کما أن المرکز حصل على جائزة البنک الإسلامی للتنمیة فی الاقتصاد فی عام 1413هـ- 1993م فی الاقتصاد الإسلامی تقدیراً لأبحاثه."

من خلال الاستعراض السابق لتطور الاقتصاد الإسلامی قبل ظهور مراکز البحوث وبعد ظهورها، یمکن القول بأن مراکز البحوث کان لها دور مهم فی تطویر الفکر الاقتصادی الإسلامی، لکن هذا التطور لم یکن على المستوى المطلوب أو المأمول، فی ظل ما یزخر به هذا الفکر من حلول وإمکانیات قادرة على إحداث التغییر فی مختلف البلدان الإسلامیة. لذا فإن الدور الذی یُحسب لمراکز البحوث فی تطویر الفکر الاقتصادی الإسلامی، هو التشجیع على الکتابة والبحث والتدریس للفکر الاقتصادی الإسلامی، مما أدى إلى زیادة الاهتمام بهذا الفکر، ولکن ذلک لا یزال عند المستوى النظری، حیث لا تزال البلدان الإسلامیة فی وضع متأخر اقتصادیاً إلى حدٍ ما، ولم یحظ الاقتصاد الإسلامی بالتطبیق إلا فی عدد قلیل من الدول، وحتى مع ذلک لم یؤت ثماره بعد (لأسباب لا مجال لذکرها هنا).

إن التطویر الحقیقی للاقتصاد الإسلامی هو أن یُقدم بالطریقة التی تجعل متخذی القرار، ورجال الأعمال، وأفراد المجتمع یقتنعون به. وهو أمر لیس بالصعب، وإنما یحتاج إلی تنسیق وتنظیم الجهود الموجودة بالفعل.

المبحث الثالث

تقییم تجربة مرکز صالح کامل للاقتصاد الإسلامی*

یسعى البحث من خلال هذا المبحث تقییم تجربة مرکز صالح کامل للاقتصاد الإسلامی بجامعة الأزهر بجمهوریة مصر العربیة فی تطویر الفکر الاقتصادی الإسلامی، وتم اختیار المرکز باعتباره – ومن قبله مرکز أبحاث الاقتصاد الإسلامی بجامعة الملک عبدالعزیز بجدة- من أوائل المراکز المتخصصة فی مجال الاقتصاد الإسلامی هذا من ناحیة، ومن ناحیة أخرى أنه المرکز الوحید فی جمهوریة مصر العربیة المتخصصة فی مجال الاقتصاد الإسلامی، بالإضافة إلى أن الباحث یعمل باحثاً للاقتصاد الإسلامی به.

المطلب الأول

التعریف بمرکز صالح کامل للاقتصاد الإسلامی وأنشطته

أولاً: فکرة تأسیس وإنشاء المرکز

بدأت فکرة إنشاء المرکز بتبرع کریم من سعادة الشیخ صالح عبداللَّه کامل، قُدم إلى کلیة التجارة " بنین" جامعة الأزهر، فى صورة تخصیص 20000 عشرین ألف جنیه جوائز سنویة تشجیعیة تُمنح لأفضل البحوث والدراسات التجاریة الإسلامیة، ثم تطورت الفکرة إلى إنشاء وحدة تنظیمیة تلحق بکلیة التجارة جامعة الأزهر، سُمیت حینها مرکز الأبحاث والدراسات التجاریة الإسلامیة؛ حیث صدر القرار الوزاری رقم (59) لسنة 1979م بالموافقة على إنشاء وحدة ذات طابع خاص باسم مرکز الأبحاث والدراسات التجاریة الإسلامیة بجامعة الأزهر. وحینما انتقلت کلیة التجارة من مبناها فی المقر القدیم لجامعة الأزهر بحی الدرَّاسة، إلى المبنى الجدید للجامعة فی مدینة نصر، قدمت الجامعة قطعة أرض ممیزة لإقامة مبنى مستقل للمرکز. وتکریما لسعادة الشیخ صالح عبد اللَّه کامل الذى تبرع بإقامة المبنى وتأثیثه، صدر القرار الوزاری رقم (138) لسنة 1982م بإطلاق اسم سیادته على المرکز لیکون «مرکز صالح عبد الله کامل للأبحاث والدراسات التجاریة الإسلامیة»، ثم عُدل الاسم عام 1992م إلى «مرکز صالح عبد الله کامل للاقتصاد الإسلامی» ومنذ عام 1990م أصبح المرکز تابعا للجامعة بدلاً من کلیة التجارة بموجب قرار مجلس إدارة المرکز بجلسته رقم (6) بتاریخ 15 مایو 1990م.

ثانیاً: أهداف المرکز

نصت المادة الثانیة من اللائحة الأساسیة للمرکز على أن المرکز یهدُف لتحقیق الأغراض الآتیة:

‌أ-      إجراء البحوث والدراسات المقارنة بین الفکر الإسلامی والفکر المعاصر فی مجال الاقتصاد والإدارة والمحاسبة، وذلک لإبراز المفاهیم والمبادئ التی تحکم الإدارة والمعاملات من وجهة النظر الإسلامیة.

‌ب-  مد الباحثین فی البلاد الإسلامیة وغیرها بالمعرفة الإسلامیة والخبرة التی تساهم فی دراسة وحل المشکلات الاقتصادیة المعاصرة وفقاً للفکر الإسلامی.

‌ج-   تقدیم المشورة للحکومات والهیئات والأفراد المتعلقة بتطبیق الفکر الإسلامی فی مجال الاقتصاد والإدارة والمحاسبة.

‌د-     تصمیم الأنشطة المحاسبیة والإداریة والمالیة للمنشآت المختلفة، وعلى الأخص المنشآت الإسلامیة.

‌ه-   عقد الندوات التدریبیة والبرامج الدراسیة فی مجالات الاقتصاد والإدارة والمحاسبة بهدف إعداد الکوادر المناسبة للمنشآت المختلفة.

‌و-    اصدار مجلة دوریة لنشر المقالات والأبحاث العلمیة فی الفکر الإسلامی المقارن تحت اسم " مجلة الدراسات التجاریة الإسلامیة" وذلک لتشجیع نشر المعرفة التجاریة الإسلامیة.

‌ز-    تنظیم المحاضرات والندوات والمؤتمرات لمناقشة الموضوعات التی تحقق أهداف المرکز.

‌ح-   إنشاء مکتبة تحتوی على المؤلفات فی المعاملات الإسلامیة والاقتصاد والمحاسبة والإدارة وغیرها.

‌ط-   إحیاء التراث القدیم وفهرست الکتب الإسلامیة وطبعها ونشرها وترجمتها.

‌ی-   إنشاء مرکز معلومات فی مجالات الاقتصاد والإدارة والمحاسبة والمعاملات الإسلامیة.

ثالثاً: الهیکل الإداری والأکادیمی للمرکز

یتکون الهیکل الإداری للمرکز من:

1-    مدیر المرکز، ویتم تعیینه بقرار من رئیس مجلس إدارة المرکز من بین أساتذة کلیة التجارة بجامعة الأزهر، ممن لهم اهتمام بالدراسات التجاریة الإسلامیة أو من الباحثین بالمرکز.

2-    مدیر الشئون المالیة والإداریة، ویکون من موظفی الجامعة.

3-    الإداریین والفنیین وعمال الخدمات المعاونة والأمن، ویکونوا من موظفی الجامعة.

4-    القائمین بالبحوث العلمیة، وتکون وظائفهم طبقاً للتقسیم التالی:

- أستاذ باحث.              - أستاذ باحث مساعد.           - باحث.

- باحث مساعد.             - مساعد باحث.

وتتولى جامعة الأزهر دفع أجور العاملین بالمرکز بمختلف مستویاتهم، وقد بلغ عدد العاملین بالمرکز34 فرداً على النحو المبین بالجدول التالی، جدول رقم (1-2).


جدول رقم (1)

بیان بأعداد العاملین بالمرکز

حتى نهایة 2017م

م

المسمى الوظیفی

العدد

ملاحظات

1

مدیر المرکز

1

 

2

مدیر الشئون المالیة والإداریة

1

 

3

إداریین

23

 

4

فنیین

2

 

5

خدمات معاونة

9

 

6

أستاذ باحث

لا یوجد

 

7

أستاذ باحث مساعد

لا یوجد

 

8

باحث

5

ثلاثة باحثین منهم خارج البلاد للإعارة

9

باحث مساعد

1

 

10

مساعد باحث

1

 

المصدر: من إعداد الباحث بالاعتماد علی سجلات المرکز

رابعاً: التمویل

یعتمد المرکز فی تمویل أنشطته المختلفة على عائد الوقفیة التی أوقفها الشیخ صالح کامل رجل الأعمال السعودی؛ حیث تم إیداع مبلغ ملیون وسبعمائة ألف دولار ببنک البرکة، ویصرف عائدها لمصلحة مرکز صالح کامل للاقتصاد الإسلامی، وقد تم تحویل مبلغ منها قدره أربعمائة ألف دولار للجنیه المصری بسبب ارتفاع العائد على الجنیه المصری عنه بالدولار وقتئذ. بالإضافة إلی الدخل المُتحصل من الخدمات التی یقدمها المرکز، والمتمثلة فی تأجیر القاعات، والتدریب، هذا بالإضافة إلی ما یُقدم للمرکز من تبرعات.

خامساً: ملخص أنشطة المرکز

سوف یُرکز البحث فی هذا البند على استعراض أنشطة المرکز ذات العلاقة المباشرة بدور المرکز فی تطویر الفکر الاقتصادی الإسلامی؛ وهی الأنشطة التی یتم من خلالها إنتاج المعرفة الاقتصادیة الإسلامیة، سواء کانت فی شکل مؤتمرات وندوات ومنتدیات أو حلقات نقاشیة أو محاضرات عامة، کما سوف یتم استعراضها بشیء من الإیجاز، بما یفی بهدف التقییم، ویبین الجدول التالی أعداد المؤتمرات والندوات والمنتدیات، والحلقات النقاشیة، والمحاضرات العامة، وقد تم إعداد هذا الجدول بواسطة الباحث، من خلال جمعها وحصرها من المصادر المشار إلیها فی بدایة المبحث.

جدول رقم (2)

بیان بأعداد اللقاءات العلمیة (المؤتمرات والندوات والمنتدیات

والحلقات النقاشیة والمحاضرات العامة) بالمرکز منذ إنشائه وحتى نهایة عام 2017م

السنة

عدد المؤتمرات والندوات والمنتدیات

عدد الحلقات النقاشیة

عدد المحاضرات العامة

إجمالی عدد الأبحاث المقدمة فی اللقاءات العلمیة

1979 - 1985م

0

0

0

0

1986

1

0

0

8

1987

0

0

0

0

1988

2

0

0

25

1989

0